رشيدرشيد نيني يكتب: شيء من الوضوح
لنكن واضحين ولنسم الأشياء بمسمياتها، ما حدث في إنزكان وأكادير ووجدة وآيت اعميرة وغيرها من المدن لا علاقة له بالاحتجاج السلمي بل بشغب الالتراس الذي تعودنا على رؤيته يندلع عقب كل مباراة مخلفا وراءه الدمار والضحايا. فأن يتم تنظيم مسيرات احتجاجية سلمية للمطالبة بالصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية شيء، وأن يتم تدمير واجهات البنوك ونهب المراكز التجارية وإحراق سيارات الأمن والدرك واقتلاع الأشجار شيء آخر تماما. وأنا على يقين أن شباب جيل Z عندما شاهد قاصري الإلتراس يأخذون مكانهم في الشارع فإنهم قد فروا بجلدهم، لأن هؤلاء الجانحين لا يعرفون شيئا آخر سوى التخريب وإضرام النار. لذلك فهناك اليوم حاجة ماسة لإعادة الهدوء إلى الشوارع وأن تتحمل الجهات التي تدعو للخروج إلى الشوارع مسؤوليتها. فما يحدث من تداع للخروج العشوائي إلى الفضاء العام والاصطدام بقوات الأمن يعطي عن البلد صورة تبخسه حقه.
إذا كان المقصود هو إيصال رسالة مفادها أن «الموس وصلات للعظم» في مجال الصحة والتعليم والشغل فإن الدولة ليست صماء ولديها أجهزة التقاط وقد وصلت الرسالة إليها، أما إذا كان الهدف هو إغراق البلد في دوامة الفوضى وعرقلة المشاريع الكبرى والتشويش على المواعيد الرياضية القارية والعالمية التي يعول عليها البلد لكي يخطو خطوة جبارة نحو المستقبل على مستوى البنيات التحتية، وضرب السياحة التي يعيش منها الملايين من المغاربة عبر استهداف الجاذبية السياحية للبلد، فإن الدولة يجب أن تفرض الأمن والأمان بقوة القانون، فهناك وقت للملاغة وهناك وقت للمعقول. فعندما تبدأ ماكنة شيطنة رجال الشرطة والتحريض ضدهم ونعتهم بأقذع النعوت وتحويلهم إلى مشجب تعلق عليه جميع مشاكل البلد فإن الوضع أصبح ينذر بالأسوأ. الأمن يسهر على تطبيق القانون ولديه الحق في ممارسة العنف المشروع إذا تطلب الأمر ذلك، ومن يريد أن يعيش في مجتمع تسوده الفوضى ويصنع فيه أطفاله ومراهقوه ما يحلو لهم في الوقت الذي يحلو لهم فإنه في الحقيقة يبحث لكي يفرغ مؤسسات إنفاذ القانون من شرعيتها وينزع عنها هيبتها، وهذا هو الباب المفضي للفوضى التي سندفع ثمنها جميعا. إن الحركات الفوضوية تشتغل بهذه الطريقة، فهي تبدأ بالتحريض على جهاز الأمن من خلال شيطنة أفراده ووصمهم بأعداء الشعب، هكذا يصبحون هدفا للمخربين، وإذا تم استدراج الأمن لهذا الفخ فإنه يسهل على الفوضويين تنفيذ مخططهم، لأن الأمن الوطني هو الجدار الأول الذي يضمن سلامة الأفراد والممتلكات. فإذا تم إنهاك الأمن أصبح من السهل إشاعة الفوضى في كل مكان وبالتالي فتح البلد على المجهول.
لهذا فآباء وأولياء المراهقين والقاصرين الذين يرشقون سيارات الشرطة والقوات المساعدة بالحجارة ويتسببون في تدمير سيارات القوات العمومية والدرك مدعوون لتحمل مسؤوليتهم في هذه الظروف، وإلا فإن القانون سيتكلف
بهم، لأنه ليس هناك مغربي واحد لديه غيرة على صورة بلده يقبل أن يشاهد مؤسسات وطنه السيادية تتعرض للشيطنة بهذه الطريقة. وكونوا متأكدين أن هذا الأمن الذي تتفرجون اليوم عليه وهو يتعرض للشيطنة سيأتي عليكم يوم إذا تطورت فيه الأمور إلى ما لا تحمد عقباه تطلبونه فيه وعندها لن تجدوه، لأنكم سمحتم بإضعافه وإهانته ونزع
هيبته.
البعض مثل بنكيران يتكلم عن طبعة ثانية مزيدة ومنقحة من الربيع العربي الذي سبق له أن قال إنه «مزال كايتسارى وتقدر ترشق لو ويعاود يرجع». وهذا جهل مريع بطبيعة هذا الجيل وردود أفعاله في الفضاء الافتراضي والعام تجاه تمظهرات السلطة. لماذا لا يتعلق الأمر بدورة جديدة للربيع العربي؟
أولا لأن الربيع العربي وصل إلى المغرب قادما من الشرق العربي، من مصر وسوريا والأردن واليمن وعبر بلدان شمال إفريقيا وأسقط رئيسي تونس وليبيا بعدما عصف برئيسي مصر واليمن. والربيع العربي كانت لديه قادة ومتزعمون وناطقون باسمه، فيما جيل Z حركة تسير بدون رأس ويجهل كل شيء حول محركيها الحقيقيين.
وقد اكتشف الجميع بعد فوات الأوان أن الربيع العربي كان سيناريو مخططا له بعناية من طرف هيلاري كلينتون ومعاونيها لإعادة رسم خرائط الشرق الأوسط والعالم العربي تمهيدا لوصول الإسلاميين إلى الحكم في بلدان عربية كثيرة. وها نحن نرى بعد 15 سنة من هبوب رياح الربيع العربي كيف أن الدول التي سقطت أنظمتها لازالت إلى اليوم تتخبط في الفوضى ومنها من تعرض للتقسيم.
أما حركة جيل Z فهي حركة مستوحاة من آسيا، ومن يتابع سلسلة المانغا اليابانية لا بد أنه لاحظ كيف أصبح علم القراصنة من سلسلة المانغا الشهيرة «ون بيس» المستوحى من قصة القراصنة الذين يتحدون السلطات رمزا للاحتجاج بين الشباب في عدة دول آسيوية. وهكذا فقد ظهر علم «جولي روجر» الخاص بسلسلة ون بيس»، الذي يُظهر جمجمة مبتسمة ترتدي قبعة قش صفراء وشريطا أحمر، في مظاهرات في إندونيسيا، ونيبال، وتيمور الشرقية، والفلبين وإندونيسيا. والذين يريدون إسقاط ما يحدث في بلدان جنوب شرق آسيا، خصوصا النيبال، على ما يحدث اليوم في شوارع المدن المغربية إما واهمون أو يتعمدون خلط الأوراق بحثا عن وجوه تشابه بين النموذجين، مع أنه لا علاقة بينهما بالنظر إلى الفوارق الثقافية والاجتماعية والدينية الكبيرة بينهما. فشباب جيل Z المغاربة ينطلقون من مطالب محددة صحة، تعليم، شغل، وعدالة اجتماعية. لكن أخطر ما يتهدد المغاربة ليس هو احتجاجات جيل Z، بل تلك الكائنات التي تعيش من عائدات المحتويات السخيفة والتافهة التي تقضي النهار والليل في عرضها على المباشر، والتي بدأت تأخذ الكلمة وتدلي بدلوها في ما يجري في شوارع المملكة خطورة أنصاف الأميين هؤلاء مستعدون دائما للحديث في أي موضوع مهما كان خطيرا وحساسا ويتجاوز أفهامهم السطحية، فهم يبحثون عن أي موضوع يشغل الرأي العام لكي ينتقلوا من الحديث عن نفخ الشفاه ومزايا الفيلر والكريمات التي يتوصلون بها من الشركات إلى الحديث عن مزايا التظاهر في الشوارع لتحقيق المطالب.
وها نحن نرى كيف أن الجميع أصبح مفتيا ومنظرا فهيما يحاضر حول تقنيات الضغط على النظام وتكتيكات حروب الشوارع. وهنا تكمن خطورة التساهل مع فوضى المؤثرين والبلوغورز والستريمرز الذين وجدوا في ما يحدث مناسبة لرفع مشاهداتهم وبالتالي عائداتهم. وقد نادينا أكثر من مرة بضرورة إخراج قانون يؤطر عمل المؤثرين مثلما فعلت فرنسا، لإغلاق الباب أمام محترفي الاغتناء من وراء مآسي الناس. مثلما طالبنا أكثر من مرة بتنظيم حقل الصحافة لكي لا يصبح كل من يحمل إسفنجة عليها لوغو يخرج لكي يتزاحم منتحلا صفة صحافي مع قوات الأمن ويعيق عملها بحجة الحق في الإعلام. ويبدو أن الوقت قد حان لكنس كل هذه القمامة الرقمية التي تسمم عقول الأطفال والشباب وتحولهم إلى هدف سهل لماكنة رهيبة تفبرك الأخبار والفيديوهات لشحنهم وجعلهم يخربون بلدهم بأيديهم.
هشام جيراندو.. استقطاب الشعب المغربي إلى مسلخ العدمية حلم موؤود في مهده
إن من يجعل مُنطلقه خداع الناس بوهم البطولة لتطويق فساد مفترض بسياط “أجنبي” اقتناه صاحبه من…





