حوار مع الدكتور نبيل العياشي حول واقع مدينة خريبكة و تيارات عودة المهاجرين
بمناسبة اليوم الوطني للمهاجر الذي يصادف 10 غشت من كل سنة، ارتأينا أن نسلط الضوء على بعض الرهانات والتحديات المرتبطة بعودة المهاجرين المغاربة وخاصة من مدينة خريبكة، ولهذه الغاية كان لنا حوارا مع الباحث نبيل العياشي الحاصل على دكتوراه في الجغرافية البشرية الذي اشتغل في أطروحته على موضوع عودة المهاجرين إلى المغرب تحت ضغط الأزمة العالمية 2008: التحديات، الرهانات، والانعكاسات من خلال الحوضين الهجرويين لخريبكة ومراكش، والتي حصل من خلالها على تمويل من المركز الوطني للبحث العلمي والتقني بالرباط (CNRST). وكان أيضا من المشاركين في مشروع المفوضية الأوروبية- البرنامج الإطاري السابع برنامج تبادل الباحثين الدوليين- ماري كيري العمليات المتغيرة في البحر الأبيض المتوسط: التغيرات العالمية، الشبكات، وفتح الحدود MEDCHANGE))، بجامعتي جنوة وبينيفينتو بإيطاليا، وله العديد من المقالات العلمية والمداخلات الوطنية والدولية في هذا الإطار.
وأجاب الدكتور نبيل العياشي في هذا الحوار عن مجموعة من الأسئلة تهم عودة المهاجرين إلى مدينة خريبكة والانعكاسات المجالية والسوسيو اقتصادية،التغيرات التي همت بنية الظاهرة،التحديات الداخلية والخارجية التي تصعب من سيرورة العودة والإدماج، رهانات عودة المهاجرين إلى خريبكة (من منظور تفاؤلي)، والاهتمامات العلمية المستقبلية المرتبطة بظاهرة الهجرة الدولية.
وبالنسبة لعودة المهاجرين إلى مدينة خريبكة، أكد الدكتور نبيل العياشي أنها أفرزت انعكاسات مجالية وسوسيواقتصادية، استطاعت أن ترسم معالم حوض هجروي حديث، غير من ملامح ظاهرة هجرة العودة على المستوى الوطني، على الرغم من حداثتها.فإذا كانت تيارات المهاجرين العائدين الأولى (فترة السبعينيات من القرن الماضي)، قد ارتبطت ببلدان استقبال تقليدية (كفرنسا، بلجيكا، ألمانيا، هولندا…)، والتي غالبا ما كانوا وما زالوا يعودون منها بشكل طوعي وإرادي، فإن تيارات المهاجرين العائدين الثانية (فترة ما بعد الأزمة الاقتصادية لسنة 2008)، قد ارتبطت بظهور بلدان استقبال حديثة (كإيطاليا واسبانيا)، اللتان تأثرا بتداعيات الأزمة الاقتصادية، الشيء الذي ساهم في تسريع تيارات المهاجرين العائدين إلى خريبكة.
و أضاف أن هذه الانعكاسات قد أفرزت تحولات وتغيرات همت بنية ظاهرة هجرة العودة، الشيء الذي صاحبته لا محالة تحديات ورهانات بعضها مرتبط بالوضعية الداخلية التي يعرفها بلد الأصل، وأخرى متعلقة بالسياق الخارجي الذي تعرفه بلدان استقبالهم.
وكشف نبيل العياشي في هذا الإطار، عن دراسة ميدانية أنجزها وخلصت إلى أن تيارات المهاجرين العائدين إلى المغرب عامة، ولا سيما العائدين إلى الحوض الهجروي لخريبكة باتت تطرح أمامها العديد من التحديات التي قد تصعب من سيرورة عودتهم وإعادة اندماجهم. هذه الدراسة التي بينت أن المهاجرين العائدين يواجهون نوعين من التحديات:
الأولى داخلية وترتبط بـِ: ضعف الدعم الموجه لهم من قبل المؤسسات الوطنية والمحلية- تقييم المهاجرين العائدين لمؤسسات الضبط الترابي، ومؤسسات الخدمات التعليمية، القضائية، والاستثمارية، وكذا المؤسسات المشرفة على قطاع الهجرة، يتسم بعدم الرضا، وذلك، بنسبة 63.7%، نظرا للمشاكل التي يواجهونها داخلها والمتعلقة بضعف الخدمات في الدرجة الأولى، وانتشار مشكل العراقيل الإدارية، وتحديات اقتصادية واجتماعية، من قبيل: ارتفاع مستوى العيش، صعوبات عدم وجود العمل، فصعوبات إعادة التكييف والاندماج.
والثانية خارجية، تتعلق بـِ: تحدي استمرار الانكماش الاقتصادي الذي تعرفه أوروبا عامة، ايطاليا واسبانيا خاصة، الشيء الذي قد يزيد من تأزم وضعية المهاجرين العائدين من هذين البلدين، الذين بلغت نسبتهم 67% بكلتا المدينتين، خاصة وأن 51.1% من المهاجرين العائدين إلى خريبكة يفكرون في الهجرة من جديد- تحدي السياق السياسي العالمي؛ المرتبط بتصاعد التيارات اليمينية المتطرفة المنادية بطرد المهاجرين وتحميلهم مسؤولية المشاكل الاجتماعية التي تعرفها أوروبا (البطالة، ارتفاع الجريمة، سلوكات الانحراف…)، في المقابل، فالتحولات السياسية التي مازالت تشهدها الدول العربية والإسلامية، وكذا ظهور تيارات متشددة، كلها تحديات قد تجعل الظاهرة الهجروية عموما ومسألة العودة خاصة، أكثر تعقيدا وغموضا في المستقبل.
واعتبر نبيل العياشي أن عودة المهاجرين إلى مدينة خريبكة يمكن ربطها بثلاثة رهانات:
الرهان الأول مرتبط بقدرة البنية الترابية على استيعاب تيارات المهاجرين العائدين إليها، على الرغم من كون دراسته التشخيصية قد أثبتت أن مدينة خريبكة غير قادرة على استيعاب تياراتها؛ على اعتبار أن النمو الديموغرافي السريع الذي شهدته المدينة، أمام ضعف البنيات التحتية و الخدمات التعليمية و الصحية، و كذا ارتباط بنية الاقتصاد المحلي بالمكتب الشريف للفوسفاط كفاعل رئيسي، في المقابل عودة 61.1% منهم بشكل اضطراري، قد يجعلهم يفكرون في الهجرة من جديد إلى بلد استقبال معين، على الرغم من كونهم يحتلون مكانة مهمة داخل الأنشطة التجارية والخدماتية المتواجدة بالمدينة.
و الثاني متعلق بحجم الموارد المعبئة من قبل المهاجرين العائدين، سواء على مستوى الرأسمال البشري (ارتفاع المستوى الدراسي للمهاجرين العائدين، توفرهم على تجربة مهنية في قطاعات مختلفة…)، أو على مستوى الرأسمال الاجتماعي (عمق العلاقات الاجتماعية للمهاجرين العائدين مع عائلاتهم، ارتفاع استفادتهم من الدعم العائلي، وكذا محافظتهم على شبكاتهم وعلاقاتهم مع أصدقائهم…)، أو على مستوى الرأسمال الاقتصادي (استمرار التحويلات المالية لأسرهم مع اختلاف وتيرتها، وأهمية الاستثمار المنتج…).
أما الثالث فيتجلى في محاولة استثمار البعد الهوياتي والعاطفي للمهاجرين العائدين وجعله محفزا لعودتهم ومساعدا على إعادة اندماجهم ومساهما في سيرورة تنمية ترابهم الأصلي، من خلال الاستفادة من تجارب ونماذج أجنبية ووطنية، تجعل علاقة المهاجرين العائدين بترابهم الأصلي تنتقل إلى عنصر الفعل والتجدر الترابي (L’ancrage territorial)، لنكون بذلك أمام عملية إعادة استتراب ايجابية (une reterritorialisation) داخل المجالات الترابية.
ويعتقد الدكتور نبيل العياشي أن الاهتمامات العلمية المستقبلية المرتبطة بظاهرة الهجرة الدولية، ينبغي أن تركز على ما يسمى بالهجرة عبر الوطنية أو ما يعرف أيضا بالهجرة الدائرية؛ التي تتجاوز مفهوم هجرة العودة، لكونها تراهن على تحفيز المهاجرين على الاستقرار في بلد الأصل لمدة زمنية طويلة نسبيا من السنة، ثم الاستقرار أيضا في بلد الاستقبال لمدة زمنية أخرى، الشيء الذي يجعل المهاجرين يعيشون بين عالمين، ينسجون علاقات و شبكات اجتماعية و ثقافية، و كذا روابط اقتصادية تعزز من إمكانية إحداث تواصل مجالي بين بلد الانطلاق و بلد الوصول، سيما و أن سياق المفاوضات الثنائية و المتعددة الأطراف في مجال الهجرة قد عرفت تغيرات كثيرة، و أصبحت متداخلة مع التحولات السياسية و الاقتصادية الدولية و الوطنية، الشيء الذي يجعل الظاهرة الهجروية في المستقبل أكثر تعقيدا.
حاوره :
- حميد المديني
ساحة الرياض تحتاج لحراسة مستمرة
وجب وضع لوحات تمنع رياضة التزحلق في الساحة أصبحت ساحة محج حي الرياض بالرباط معلمة مهمة بال…