الرئيسية | أخبار | "وثائقي" قناة فرانس 3 حول ملك المغرب.. ثلاثية الجهل والتزوير والكذب

"وثائقي" قناة فرانس 3 حول ملك المغرب.. ثلاثية الجهل والتزوير والكذب

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
"وثائقي" قناة فرانس 3 حول ملك المغرب.. ثلاثية الجهل والتزوير والكذب

نشر موقع جريدة الأحداث المغربية هذا الصباح مادة تحليلية رائعة وجد دقيقة يكشف فيها الهفوات والاكاذيب والضعف المهني والتقني والسياسي  لبرنامج فراس3 حول ثروة الملك الذي بث ليلة الخميس 26 ماي الجاري.

المادة هي عبارة عن تشريح منطقي علمي توفق فيه الزميل شادي عبد الحميد الحجوجي، المشرف على موقع جريدة الأحداث المغربية

والمقال المطول يعيدنا الى ايام الصحافة المزدهرة في بلادنا عندما كانت تزخر بتحليلات يومية تساير الأحداث الوطنية والدولية، ولأن المقال الرائع والمشوق إستأثر بإهتمامنا نظرا لأهميته نعيد نشره بموقعنا لكل غاية مفيدة، وذلك بعد ترخيص من إدارة مؤسسة الأحداث المغربية:

بقلم: شادي عبد الحميد الحجوجي

يبدأ "الوثائقي" المزعوم، (وهو أقرب الى "روبوطاج" تلفزي ردئ، ممطط بشهادات سمتها المبالغة والسطحية)، بصور لحفل الولاء ترافقها "موسيقى تصويرية" جديرة بأفلام الرعب، طبعا اختيار غير موفق و لكنه ضروري لإعطاء "هالة" للخواء الفكري الذي يؤثث التعليق وآراء المشاركين.

يبدأ "الوثائقي" أيضا بالكذب دون مقدمات، عندما يقول بأن الملكية المغربية هي ملكية "حق الهي"، في حين أن جميع الملكيات تاريخيا (حتى الأوروبية منها) كان لها هذا الطابع، لكن بما أن "الوثائقي" يتحدث عن محمد السادس، فمن سوء النية والجهل الفاضح القول بأن الملكية المغربية في عهده، هي ملكية "حق الهي" لسبب بسيط، وهو الدستور المغربي الذي يقر بأن الخيار الديمقراطي هو ثابت من ثوابت المغرب وبأن النظام السياسي المغربي هو ملكية دستورية برلمانية ديمقراطية اجتماعية، أما كون الملك هو أمير المؤمنين، فهذا ليس دليلا على ملكية "حق الهي"، الا اذا اعتبرنا الملكية البريطانية هي أيضا ملكية "حق الهي" مادامت الملكة هي رئيسة الكنيسة الانجليكانية..

في بحثه عن مزيد من الكذب، يستعرض "الوثائقي" قول الأمير هشام بأنه لا يمكنك لقاء الملك محمد السادس دون أن تقبل يديه، كما أنه على الناس الانحناء له على بعد كيلومترات (!)، كذب فج، ومبالغة تنزع الموضوعية عن صاحب "الشهادة" لكن عندما نعلم أن أبوبكر الجامعي صرح بأن "الأمير الأحمر" (كذا)، كان دائما يرغب في عرش المغرب، نفهم لماذا "يضطر" صاحب نظرية "ثورة الكمون" أن "يزور" الواقع والحقائق التي لا تخدم "مخططاته".

الكذب والاختصار المعيب سيستمر عندما يتم الربط الميكانيكي بين بنبركة واليسار، واختصار المعارضة في بنبركة، اختصار علاقة بنبركة والحسن الثاني في "المعارضة"، وقد كانت علاقة "افتتان" متبادل بين عملاقين مغربيين، اختصار عملية اغتيال الشهيد بنبركة في الوضع المغربي فقط لاتهام الحسن الثاني، واغفال مخطط أوفقير الذي كان في مشروعه الانقلابي تصفية واضعاف أي معارضة حقيقية ودكّ اسفين بين المعارضة الوطنية والحسن الثاني وعزل هذا الأخير قبل الانقلاب عليه، اغفال الوضع الدولي ومساهمة المخابرات الفرنسية والأمريكية والموساد في اغتيال المهدي بالنظر الى قيادته لحركة عدم الانحياز ومعركته ضد الامبريالية ومشروعها في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ثم ذلك الاختصار اللامعنى له الذي يربط الحسن الثاني، هذا الملك العظيم، فقط بـ"سنوات الرصاص" و"الانقلابات"، لدرجة يتحول فيها هذا "الاختصار" المقصود، الى تزوير خالص للتاريخ.

الحسن الثاني كان ملكا عظيما، رغم أخطائه (وجل من لا يخطئ)، كان ملكا بكاريزما وثقافة وفكر مركب (تقليدي وعصري في نفس الوقت) ورؤية مستقبلية لم تكن لأي من معارضيه، سوء حظ الحسن الثاني، كان في الوضع الدولي المشحون بتداعيات وتجاذبات الحرب الباردة بين معسكرين، وواهم من يظن أن الصراع على السلطة في المغرب كان فقط أمرا داخليا، ففي نفس الفترة، من ستينات القرن الماضي الى سقوط جدار برلين، كان كل العالم يغلي، وليس فقط مغرب الحسن الثاني، في أمريكا اللاتينية وافريقيا والعالم العربي في شمال افريقيا والشرق الأوسط وآسيا (الصين، الكامبودح، فييتنام، كوريا، اندونيسيا.. على سبيل المثال لا الحصر)، في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي سابقا، كل هذا العالم كان في عهد الحسن الثاني مليئا بالحروب الأهلية التي قتل فيها الملايين، وضاجا بالانقلابات العسكرية التي جنت على مستقبل بلدان وشعوب وأمم، وقمع المعارضة حتى في أمريكا كان هو الأصل (المكارثية)، في هذه الفترة التي حكم فيها الحسن الثاني كان كل العالم يحترق ويتمزق، وما خلفته هذه الفترة في هذه البلدان من ضحايا وقتلى ومسجونين ومنفيين ومفقودين بالملايين، لا يمكن أبدا مقارنته بما وقع في المغرب، الحسن الثاني أخرج المغرب من مصير الانقلابات ومن مصير الايديولوجيات العدمية الفاشلة ومن مصير التفكك بأقل الخسائر الممكنة، لأنه لم يكن يتصارع مع حمائم، لقد كان يواجه من يريد رأسه.. كل صباح.

الحقيقة الوحيدة التي قالها "الوثائقي" الفرنسي، لحظة صدق، هي اعترافه بأن فرنسا عندما خرجت من المغرب، تركته بلدا فقيرا، فباستثناء المدن "الجديدة" التي بنتها للمستوطنين ومنعت المغاربة من دخولها إلا بتصاريح، وباستثناء السكك الحديدية والطرق التي استعملتها فرنسا لاستنزاف خيرات المغرب بعد أن بنتها سواعد المغاربة، باستثناء هذه الأمور "النفعية" التي أوجدتها فرنسا في "المغرب النافع"، فانها حين مغادرتها لهذه البلاد، تركت ثمانين بالمائة من ترابه فقيرا معدما.

عندما خرجت فرنسا من المغرب كان خمسة وثمانون بالمائة من سكانه في البوادي والجبال، عندما خرجت فرنسا من المغرب تركت في الدار البيضاء بنايات "لارديكو" صحيح، لكنها تركت فيها أيضا أكبر حي صفيحي في المغرب. عندما خرجت فرنسا من المغرب كان ناتجه الداخلي تقريبا خمسين مرة أقل مما هو عليه اليوم.

بعد هذا كله، لا يحق لفرنسا أن تعطينا دروسا في خلق الثروة وتوزيعها، خصوصا وأن المغرب ودون غاز أو بترول، حقق في عهد محمد السادس في الخمسة عشر سنة الماضية أفضل النتائج في خلق الثروة وتوزيعها في كل بلدان شمال افريقيا والشرق الأوسط غير النفطية، لأن ناتجه الداخلي الخام تضاعف ثلاث مرات تقريبا كما تضاعف الدخل الفردي للمواطن المغربي بنفس النسبة تقريبا.

بعد أن تركت المغرب في الماضي بلدا فقيرا بشعب فقير..  فرنسا تريد المغرب في الحاضر بملك فقير

 من العبث النظر الى هذا الهجوم على استثمارات الملك في المغرب، بمنظار من يريد بالمغاربة خيرا، هذا الهجوم هو في العمق موجه من طرف المفترسين الحقيقيين لثروات المستعمرات السابقة، لكنه مغلف بخطاب حول الشفافية وعدم الجمع بين السلطة والمال (حق يراد به باطل)، تماما كما تغلف أمريكا خطط تفكيك الدول بخطاب حقوق الانسان والديمقراطية.

لنفترض أن الملك وزع ثروته الشخصية على المغاربة، كم سيكون نصيب كل فرد ؟.. اذا استثنينا القصور الملكية التي هي في ملك الدولة المغربية من "المبلغ" (!).. سيكون نصيب كل مواطن بين خمسمائة وألف درهم.. مرة واحدة و تنتهي "الوزيعة".

الحقيقة أن المفترسين في فرنسا لا يريدون من الملك أن يوزع ثروته على المغاربة لأنهم يريدونها لهم، والملك عندما يستثمر في بلاده فانه يشغل عشرات الالاف من المغاربة ويضمن لهم راتبا مستمرا ومتطورا، وهذا أفضل من ذلك "الحل" البليد الذي طرحه من يطلب "حقة" في ثروة لم يساهم فيها بدعوى أنه "الشعب".

المفترسون في فرنسا يجربون نفس الخطة التي استعملوا فيها أقلاما مغربية لـ"يدفعوا" الملك للتخلي عن استثماراته في بعض المواد "الأساسية"، وعينهم هذه المرة على الاستثمارات في الطاقات النظيفة، خصوصا وأن أكبر المشاريع في هذا الورش المستقبلي، كانت من نصيب شركات سعودية أو ألمانية أو صينية عما قريب في منطقة تافيلالت.

عندما تخلى الملك عن استثماراته في المواد "الأساسية" (رغم أن البسكويت ليس مادة أساسية كثيرا)، وعندما دخل الفرنسيون ليستحوذوا على المركزية للحليب مثلا، هل تغيرت أحوال المغاربة بـ"فضل" هذا التحول ؟.. هل أصبح المغرب قوة اقتصادية عظمى بسبب هذا الاجراء ؟.. من يقول لنا أن خروج استثمارات الملك من جميع القطاعات التي يساهم فيها سيكون مفتاحا لكي يصبح المغاربة أغنياء، يكذبون علينا لصالح أولياء نعمتهم الذين يستضيفونهم عندهم في قنواتهم.

حتى نتخلص من الأسطورة الفرنسية التي تقول بأن الملك "يسيطر" على الاقتصاد المغربي

"الوثائقي" الذي جعل من الكذب والافتراء خطه التحريري، بقي وفيا لهدفه، فرغم أن الملك تخلى عن الاستثمارات في "السكر و الحليب" فان ضرورة الحشو وضرورة تأثيث البرنامج بشهادة أبو بكر الجامعي، جعله يمرر معلومات لم تعد لها صلة بالواقع.

أكثر من هذا، يتحدث الجامعي عن فرضية أن تقتني سيارتك من شركة تابعة للهولدينغ الملكي بقرض من بنك يساهم فيه الهولدينغ الملكي وتأمينها في شركة تأمين تابعة لنفس الهولدينغ (كما لو أن المواطن المغربي ليس له خيار)، عندما تسمع هذه الفرضية دون تمحيص، وعندما تسمعها وأنت جاهل بالوضع الاقتصادي المغربي، سيظهر لك الأمر "مفزعا".

لكن ما لا يقوله أبو بكر الجامعي، هو أن قطاع السيارات كما قطاع التأمينات كما قطاع البنوك، هي قطاعات فيها تنافسية حقيقية، والمواطن المغربي ليس ملزما أن يتعامل مع شركات الهولدينغ الملكي أصلا، كما أنه على فرض أنه يريد اقتناء سيارة من شركة سيارات تابعة للهولدينغ الملكي فانه غير ملزم بأن يأخذ قرضه من بنك المجموعة ولا أن يؤمن عليها في وكالات تأمين نفس المجموعة.

تصوير الأمر على أنه سيطرة على سوق السيارات، أمر يكذبه الواقع، وتصوير بنك الهولدينغ الملكي بأنه وحده في السوق كذب واضح، لأن حصته في سوق البنوك لا تتجاوز العشرين بالمائة، والقول بأن تأمينات الهولدينغ الملكي تسرح وتمرح بمفردها دون قانون كما لو أنها في غابة، أمر بئيس لا تعضده الأرقام التي تقول أن خمسة وثمانين بالمائة من سوق التأمينات بالمغرب، لا علاقة له باستثمارات الهولدينغ الملكي في هذا القطاع.

 اذن لا سيطرة ولاهم يحزنون، و كما أنه ليس هناك سيطرة على القطاع البنكي ولا على قطاع التأمين ولا على قطاع السيارات، فانه ليس هناك سيطرة على القطاع الفلاحي، فهذا الأخير هو ملايين الهكترات من الحبوب والأشجار المثمرة في كل المغرب، وصادرات المغرب من المواد الفلاحية لا تشكل فيها منتجات الضيعات الملكية أكثر من خمسة بالمائة على أقصى تقدير، فلماذا الاستمرار في الكذب على الناس.

في بداية "الوثائقي" يقول متدخل بنفحة "ايديولوجية مناضلة" صادقة ربما لكنها فارغة بكل تأكيد، ان محيط الملك "استحوذ" على "جواهر" الاقتصاد المغربي (كذا) ، لكن دون أن يدلنا على نموذج معين لنتحقق ان كان فعلا "جوهرة" أو "حجرا مضروبا"، ودون الدخول في بوليميك لا ينفع، لنترك الأرقام تتحدث مرة أخرى، فإذا كانت "الشركة الوطنية للاستثمار" بمختلف أذرعها لا تشكل أكثر من اثنين بالمائة من الناتج الداخلي للمغرب (ضرائبها تشكل ستة بالمائة مما تستخلصه الدولة من الضرائب، وهو أمر لا يتحدث عنه الصحافيون "المنفيون" باختيارهم)، اذن بشركة لا تزن أكثر من 2 بالمائة من الناتج الداخلي المغربي، كيف يمكن لعاقل أن يتحدث عن "استحواذ" أو "سيطرة" أو حتى "افتراس"، و هو مصطلح من ابداع "صحافية" فرنسية مفترسة أرادت تجريب وصفتها مع بنعلي في تونس مع محمد السادس، وهذا وحده دليل جهل مطبق بأحوال المغرب وتاريخه المختلف وتطوره ومكانة الملكية المركزية ودورها المحوري في تشكل الهوية الوطنية المغربية.

هذا الافتراس الفرنسي وضحه المحامي في نفس "الوثائقي"، من خلال قضية "أوشون" و"دانون"، وهو افتراس مدفوع باستعلاء استعماري يرسم لأصحابه حجما أكبر من حجمهم الحقيقي، فعندما تظن أن قطاع التوزيع لن ينجح في المغرب الا بالحضور الفرنسي عبر "أوشون"، وعندما تظن أن قطاع انتاج الحليب في المغرب لا يمكنه الاستمرار الا بـ"دانون"، فهذا يعني أن الفرنسيين هم المفترسون الحقيقيون و ليس أحدا غيرهم، و الحمد لله أن هناك من استطاع ارجاعهم لجادة الصواب في هذه القضية، كما في قضايا أخرى.

"الوثائقي" يردد أسطوانة مشروخة حول الجيش المغربي، لكن المؤسف أن ينسى مواطن مغربي في "شهادته" أننا في حالة حرب، و لذلك يكلف الجيش في المغرب ميزانية أكبر مما هو موجود في بلدان لا تعيش تهديدا حقيقيا لتقسيمها.

و"ليثبت" معدو البرنامج بأن الملك محمد السادس حاكم "ديكتاتوري" (كذا)، يذكروننا بأن الملك هو رئيس أركان الحرب العامة، المشكلة في هذه "الحقيقة"، هي أن كل الملوك بمن فيهم الملوك الأوروبيون هم دستوريا رؤساء أركان الحرب في بلدانهم، لكن لا علينا، سمعنا أيضا الحديث عن شطط في استعمال السلطة وعن "فكرون" تتم رعايته رغم أن الأمر لا يستدعي جهدا كبيرا، ثم سمعنا ذلك "الكليشي" الذي يريد اقناعنا بأن السبب الوحيد الذي يجعل الجيش لا يقوم بانقلاب هو أن بعض الجينرالات لهم "كريمات" في أعالي البحار، أمر مذهل حقا هذه السطحية وهذا الفراغ الفكري عند الحديث عن جيش رغم النقائص التي تعتريه كأي جسم "بشري"، هو،  أحب من أحب وكره من كره،  جيش حقيقي، عصري ومنظم ومنضبط ومحترف وفعال، وهو نموذج لم تنجح أي دولة عربية في بناءه.

ينتقل "الوثائقي" دون أي خيط ناظم، من موضوع لموضوع، لكن في الحقيقة أن خيطه الناظم هو "استعمال" أي "شئ" ليتم تقديم المغرب بشكل غير حقيقي، بل كاريكاتوري، ولهذا ينتقل دون أي مقدمات من الجيش و"الفكرون"، الى مقارنة تطور الثروة الملكية بمعدل الفقر في المغرب الذي (وهذا لم يقله المغرضون الذين أعدوا هذا المسخ)، انخفض في عهد محمد السادس من عشرين بالمائة، لأربعة بالمائة حسب احصائيات البنك الدولي الأخيرة.

المجهود الجبار الذي بذله محمد السادس في تحديث كل المدن الكبيرة، في تطوير البنيات التحتية التي ساهمت في الاقلاع الاقتصادي للمغرب لا يمكن انكاره، كما لا يمكن انكار أن المغاربة اصبحوا يعيشون في مدن أكثر رخاء وأن دخلهم أيضا تطور في عهد محمد السادس، صحيح لايزال هناك مجهود وجب أن يتم بذله في المدن الصغرى وفي القرى، لكن المسألة مسألة وقت، لا مسألة ارادة ملكية، و ما لم يقله "الوثائقي" المشوه، هو أن المغرب حقق في الثلاثين سنة الماضية و بامكانيات محدودة و ذاتية غالبا، ما تحقق في بلدان أخرى في قرن أو قرنين.

كما أن محاربة الفقر ليس مرتبطا بصفة أتوماتيكية بالديمقراطية، فالهند مثلا وهي اكبر ديمقراطية في العالم، نسبة الفقر فيها تتعدى الأربعين بالمائة، فهل الحكومة الهندية أيضا لا يهمها أمر الشعب، ومشغولة بـ"شركاتها"؟ لقد قيل قديما ان أقوال العقلاء منزهة عن العبث، لكن لسوء حظنا أننا لم نشاهد عقلاء في هذا المسمى "وثائقي".

الجهل والتزوير، لم يكن في هذا "الوثائقي" فقط في استدعاء صور سوريا أو الأردن حين الحديث عن معيش المغاربة، لكن تعداه ليقدم مظاهرة لنقابة مغربية (الكونفدرالية الديمقراطية للشغل) تطالب بسقوط ابن كيران على أنها مظاهرة تطالب باسقاط النظام، ولا يمكن لأحد أن يقنعني بعد هذا أن التزوير لم يكن مقصودا طيلة مدة هذا "العمل".

ويصل هذيان "الوثائقي" الى قمته عندما يقول بأن زكريا المومني "يزعج" المغرب، وأنه يشكل "الدابة السوداء" للنظام، (تشي غيفارا صافي)، دون أن يشير الى أن القضاء الفرنسي نفسه هو من أصدر حكمه القائل بأن ملف المومني فارغ من أي أدلة في موضوع اتهامه، والمضحك في قصة هذا المدعي، أنه في كل مرة يقدم "قصته" ببهارات جديدة، وهكذا سمعنا مصطلحات جديدة هذه المرة من قبيل "مجزرة" و"كفتة" و”"بواط دو كونسيرف" وباقي الترهات الغبية، مع الاشارة الى أنه لم يشرح لنا كيف له، وقد كان مقيد اليدين إلى الخلف بإحكام، و مربوط الرجلين بوثاق إلى عصا، أن يستعمل يديه المكبلتين الى الوراء، لإزاحة العصابة من عينيه الموجودتان أعلى وجهه، الذي لا يوجد بدوره عادة في الظهر، وبالضبط وقت مرور الحموشي، (حاجة بيزار.. ماشي نورمال).. لكن مقبولة من "وثائقي" (مدرح) تماما كبطل العالم (المزور).

رغم أن هذا "الوثائقي" بذل مجهودا خرافيا لاستجماع كل ما يمكن أن يسئ الى محمد السادس، فان النتيجة كانت بئيسة، وما "يفرح" في هذا، أن القوم "المنفيين" و"معارضي" الساعة الخامسة والعشرين والصحافيين الفرنسيين المرتشين والملاكم الأهبل، كل هؤلاء لا يساوون جناح بعوضة عند المغاربة، وليس صحيحا أن أبوبكر الجامعي وفهد بنشمسي هم وحدهم في كل المغرب من يعرفون ماهية الصحافة المستقلة، وليس صحيحا أن المواضيع التي كانوا يتطرقون لها لم يعد أحد ينبش فيها، ليس صحيحا على الاطلاق.

في بعض الأحيان يكون التواضع أفضل ناصح، عوض التعالي والاستمرار في قول الأكاذيب عن المغرب، أكاذيب لا تصمد كثير أمام هذه المملكة التي تتقدم باصرار، بأبنائها الذين لم و لن يبيعوها في أول "محنة".

ما أغاض القائمين على هذا "الوثائقي"، هو أن الاقتصاد المغربي في كثير من مناحيه يتطور بعيدا عن فرنسا، واستثمارات الملك مجرد "سبوبة" لاعلان الحنق عن "الأرباح" التي حرموا منها، و استفاد منها من يجب مهاجمته، لدرجة القول بأن المغرب في عهده لم يتقدم، لا في الحريات ولا في حقوق الانسان ولا في الوضعية الاجتماعية ولا في الاقتصاد ولا في البنية التحتية ولا في العلاقات الدولية ولا في المكانة العالمية التي أصبحت لأجهزته الاستخباراتبة و الأمنية، المغرب في عهده سجن كبير، والحقوق الثقافية مهضومة، والحياة الفنية مقتولة، والناس لا تجرأ على الكتابة، لذلك لا توجد مواقع الكترونية بالآلاف في البلاد، ولذلك لا يعبر ملايين المغاربة بحرية في مواقع التواصل الاجتماعي، ولذلك يتم شهريا حجب يوتوب وتوقيف فايسبوك، ولذلك لا توجد مظاهرات في المغرب ولا مسيرات ولا وقفات احتجاجية ولا نقابات ولا أحزاب، ولا حتى مائة ألف جمعية مدنية كما يقال، لا شئ من هذا في مغرب محمد السادس، لا شئ يستحق الذكر.

أمر مؤسف أن يشارك مغاربة في "وثائقي" صاحب فكرته ليس سوى "جون بيير بيريز"، مخرج الفيلم، الذي تم ترحيله من طرف السلطات المغربية، قبل أكثر من سنة، دون أن يفطنوا كون هذا "الوثائقي" سيكون بنفس انتقامي، خصوصا عندما يتم اختيار المفترسة المبتزة "كاثرين غراسيي" كمستشارة (كذا) لمخرج هذا "العمل" الخيري العظيم، والذي عرف عنه سرقة موضوع فيلم حول الاحتباس الحراري من صديقته.

لا أعرف لماذا تذكرت الحسن الثاني ومشروعه لإعادة احياء صناعة السكر التي عرف بها المغرب منذ عهد السعديين، وأنا أشاهد هذا "الوثائقي" الخردة، فلقد طلب الحسن الثاني من فرنسا تقديم مساعدة مالية وتقنية لإعادة احياء هذه الصناعة في المغرب، لكن جواب الفرنسيين كان أن استيراد السكر سيكون أقل تكلفة، فما كان من الحسن الثاني الا ركوب "دماغه" والاستثمار في صناعة تكرير السكر (من المعلوم أنه بفضل الحسن الثاني أصبح المغرب يغطي اليوم ما يناهز 60 بالمائة من احتياجاته من السكر، مع العلم أن المواطن المغربي يستهلك ثلاثة أضعاف المعدل العالمي من هذه المادة،  لو كان استهلاكنا يوازي المعدل العالمي، لحققنا الاكتفاء الذاتي وقمنا بتصدير الفائض للخارج)، بعد ذلك، استثمر في قطاعات أساسية لأن الطبيعة تكره الفراغ، ثم خطط لسياسة السدود وسط تهكم المعارضة وتقديمها لنموذج "التصنيع" الجزائري على أنه ما يجب فعله (سنعلم فيما بعد أن هذا "التصنيع" الجزائري كان بروباغاندا أكثر منه أمرا حقيقيا).

عند تولي محمد السادس الحكم، تم الهجوم على استثماراته في السكر والحليب لغاية في نفس يعقوب، مع أن الملك الجديد انما ورث ذلك عن والده، ولم يكن هو من اختار هذا النوع من الاستثمار، لكن المفترسين الحقيقيين لم يتورعوا ولن يتورعوا مستقبلا عن الكذب وتشويه الحقائق.

اليوم، وعندما يستثمر الملك أمواله في المغرب، أي داخل البلاد، فانه في نظر صحافية تريد الاستثمار في الخيول عن طريق أموال متحصل عليها عن طريق ابتزاز، فانه "مفترس"، وعندما سيتوقف عن الاستثمار في المغرب وسيوجه أمواله للاستثمار في الخارج سيصبح، في نظرها دائما، "مهرب أموال"، كما لو أن الشركات الفرنسية التي تستثمر خارج بلدها مثل "رونو"، انما تهرب أموال الفرنسيين.

 سوء النية والجهل والغباء، أمور اذا اجتمعت في شخص واحد يصبح الأمر خطير جدا، أما اذا اجتمعت في أكثر من شخص، في "وثائقي" معطوب، فان الأمر لا يحتمل، خصوصا عندما يصلك تبرير من بعض من شاركوا، بكون هذه المواضيع لا تتطرق لها القنوات المغربية (كذا)، فهل هذه مطالبة بأن تكون "كاثرين غراسيي"، مستشارة لقسم الأخبار في القناة الثانية مثلا.

مثل هذه التبريرات "العبيطة" تذكرني بجندي حارب في صفوف جيش المستعمر، و عندما سئل عن السبب، أجابهم بكونه لم يجد مكانا في صفوف جيش التحرير الوطني.

لقد ختم هذا "الوثائقي" خيبته، بلقطة لشباب "متحمس"، لكن دون علم، ودون معرفة تاريخية، وفي المغرب يصعب على من لم يقرأ تاريخه جيدا أن يغير فيه، الشباب يصرخ "عاش الشعب"، وهو شعار يضعونه بجهل أسطوري في مقابلة شعار "عاش الملك"، لكن ما غاب عن هؤلاء الشباب الذي لا نشك في نيتهم الطيبة حد السذاجة، هو أن التاريخ المغربي يخبرنا بأن هذا الشعب الذي نتمنى له الحياة معهم، هو نتيجة لعمل ملوك عظام، ولن نذهب بعيدا في تاريخ هذه الأمة المغربية المجيدة، وسنتوقف عند بداية عصر المولى اسماعيل، في هذا العصر، لم يكن هناك شعب بالمفهوم الذي نعرف، الشعب كان قبائل متفرقة لا يجمعها أمر، الشعب كان في مرحلة تحلل، والملك هو من جمع شتات هذا الشعب قبل أن تتمزق هذه البلاد، ولذلك يجب القطع مع ذلك الاحساس الذي يقول لنا أننا كنا دائما شعبا متماسكا متراصا كما هو حالنا اليوم، لأن الأمر في فترات كثيرة من تاريخنا لم يكن كذلك، واذا كنا اليوم شعبا وأمة منسجمة بهذا الشكل، فلأنه نتيجة عمل تم بفضل ملك محبوب يجمع الشمال بالجنوب، والشرق بالغرب ويعزز انصهاره في بوثقة واحدة اسمها المغرب من طنجة الى تخوم الصحراء المغربية.

 عاش الشعب اذن ولا اعتراض، لكن هذا الشعب هو "صناعة ملكية" امتدت لقرون، و لذلك يقول الشعب عاش الملك، دون أن يزايد، فهو يعلم يقينا بعد التجارب و تقلبات الدهر والواقع السائد، أن الشعب والملك في هذا المغرب.. شئ واحد.

لن تتوقف تحرشات الأطماع الاستعمارية، والمصالح الاقتصادية والمخططات السياسية عند حدود هذا "الوثائقي" المتهالك البنيان والمتداعي الأركان، لكن حقيقة واحدة تتعزز في وجدان المغاربة، وهو أن هذه البلاد لها عمود فقري واحد، ولإضعافها وتشتيتها وجعلها تركع على ركبتيها للعدو المتربص، سيستمر هذا العمود الفقري في تلقي الضربات، ولذلك سيستمر المغاربة في لعب دور الذروع الواقية، حتى تستمر هذه البلاد، ليس في الوقوف فقط، ولكن في تثبيت هامتها وقامتها بين العظماء في هذا العصر، تماما كما فعلت ذلك كثيرا فيما مضى، سيستمر الشعب المغربي على هذا العهد رغم كيد الكائدين ومكر الماكرين.. تأكدوا.. سيستمر..

 

الإشتراك في تعليقات نظام RSS التعليقات (0 منشور)

المجموع: | عرض:

أضف تعليقك