الرئيسية | آراء | وطنية النقيب بن عمرو والأمازيغية

وطنية النقيب بن عمرو والأمازيغية

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
وطنية النقيب بن عمرو والأمازيغية

استطاع مؤخرا اﻷستاذ النقيب "عبد الرحمان  بنعمرو" وبتنسيق مع "التنسيقية  الوطنية للغة العربية" من استصدار حكم قضائي من المحكمة اﻹدارية يقضي بضرورة تضمين اللغة العربية وتوظيفها في معاملات مديرية جهوية للضرائب، والتي دأبت على استعمال اللغة الفرنسية دون غيرها في كل وثائقها مع المواطنين

إنجاز ﻻ يمكن إﻻ أن ننوّه به ونثمّنه، ونعترف أنه سبق يسجل للأستاذ "عبد الرحمان بن عمرو"  خاصة، ولجمعيات التنسيقية بشكل عام والتي نحيي فيها اﻹيمان الصادق بقضيتها، واستماتتها من أجل تحقيق اﻷهداف التي رسمتها لنفسها، مهما اختلفنا مع هؤلاء في فهمهم للوضع اللغوي المغربي، وتصورهم لمستقبل هذا الوضع.

الحدث أيضا مؤشر على أن الهوة بين إطارات المجتمع المدني المغربي - بما ﻻ يدع الشك - كبيرة جدا، من حيث اﻹمكانيات التي ترصد لها والقدرات التي تتمتع بها ثم من حيث آليات اشتغالها، وحتى ﻻ ننجرّ في هذا المقام إلى موضوع المجتمع المدني بتشعّباته الكثيرة، نؤكد على أن النهوض بالفعل الجمعوي وتأهيله، يبقى في صالح الدولة التي يبدو أنها ﻻ تهتم بهذا الشريك الاستراتيجي إﻻ لماما ولحاجات محددة في الزمان والمكان.

 عودة إلى  موضوعنا اﻷساس إذا، ونحن نطالع كم التعليقات التي تذيّلت خبر "النصر التاريخي" للنقيب ورفاقه في النضال، انتابنا شعور يمتزج فيه الفخر باﻷسى، فخر كبير لأن جل التعليقات تتحدث عن الوطنية والهوية والخصوصية واﻷصالة والدستور، يضاهيه أسى عميق لكون هذه التعليقات تنم عن قصور - قد يكون موضوعيا أحايين كثيرة-  في فهم المفاهيم   المذكورة، حيث اﻻختزالية واﻻستيلاب والتعصب وازدواجية المواقف.

والحال هذه، يقتضي اﻷمر أن نعيد طرح الكثير من المفاهيم التي اعتدنا توظيفها، بكثير من العفوية، ضمن نقاش مجتمعي عمومي يتجاوز التناول النخبوي الماكر وكذا التناول العامّي البسيط، وبشكل هادئ وموضوعي، حتى نضمن التفاعل اﻻيجابي مع كل المتغيرات التي طالت المجتمع المغربي من جهة، ثم التعديلات التي شهدتها والتي يجب أن تشهدها النصوص القانونية والتشريعية التي تؤطر عمل المؤسسات.
سنركز هنا على مفهوم الوطنية نموذجا،  لكونه فاصلا في هذا المقام، فالوطنية الحقّة تلزم صاحبها وجوبا باﻻفتخار بكل مقومات الوطن، وبما أننا بصدد مرافعة تهم اللغة، فاستحضار  اللغة اﻷمازيغية أخلاقيا كلغة متجذرة بهذه اﻷرض ولغة فئات عريضة من المجتمع المغربي، ثم قانونيا كلغة رسمية للدولة المغربية بمنطوق أسمى قانون مغربي. وبهذا المنطق، فالحديث عن العربية في تغييب عمدي للأمازيغية، أو اﻷمازيغية في تنكر للعربية، ليس من الوطنية في شيء، بل هو تعصّب وتحريف فاضح لمفهوم الوطنية، يسعى صاحبه إلى التمويه والتضليل بنية اﻻجتثاث انتصارا لذات متضخمة وعقلية سيكوباثية.
في نفس اﻹطار، وبالنظر إلى أن المحاماة كانوا، وﻻ يزالون، أعمدة النضال في الحركة اﻷمازيغية منذ بداياتها اﻷولى، نتساءل، ألا تملك الحركة الأمازيغية أستاذا أو أساتذة محاماة، يدركون أهمية القضاء في توثيق المواقف الرسمية للدولة، يستطيعون رفع دعاوى ضد رئيس الحكومة بصفته المخول قانونا للإفراج عن القانون التنظيمي الذي طال انتظاره لتسريع وتيرة اﻹجراءات؟؟ ثم بعدها
ضد المؤسسات العمومية بالخصوص، لتفعيل مقتضيات الدستور؟؟

من جهة أخرى، ﻻ بد من الوقوف على التشبيك (Résautage)  كتوجه يفرض نفسه على اﻹطارات الجمعوية ذات اﻻهتمام بالقضية اﻷمازيغية، وهنا نعبر مجددا عن أسفنا ﻻغتيال التنسيق الوطني بين الجمعيات اﻷمازيغية الذي ساد في سياق كان -في تقديرنا- أقل حساسية،   فالتنسيق والتشبيك حتمية لإنجاح المرافعة وهو خيار يفرض ذاته في جميع الأحوال، ويتعين إدراك ذلك مهما اختلفت الرؤى وتقاطعت الأفكار.

يجب أن نقر أن اﻹطارات الجمعوية اﻷمازيغية لم تنجح حتى ﻻ نقول فشلت بشكل كبير خلال السنوات الخمس اﻷخيرة في الترافع عن القضية اﻷمازيغية، حيث طبعها الكمون والسلبية وخصوصا التشرذم المجاني، بل وحاد بعضها جوهريا -وهو أخطر ما في اﻷمر- عن صلب ما تأسس لأجله وما ينتظر منه، وهو الدفاع عن اللغة اﻷمازيغية ضمن منظومة ترافعية متكاملة، وهو للإشارة وضع مرضي تشترك فيه الكثير من مؤسسات المجتمع المدني المغربي بشتى تلاوينها حيث عمدت إلى البحث عن التمويلات والتركيز على أنشطة جلها تكوينات سطحية توفر الجهد والوقت وهامش "الربح" فيها كبير جدا.

إن من شأن رفع الدعاوى والمذكرات والمراسلات وغيرها من الخطوات التي ﻻ تكلف الكثير حسب تقديرنا أن تعود بالقضية اﻷمازيغية، بعد السبات العميق،  إلى واجهة النقاش العمومي، وبغض النظر عن اﻷحكام التي ستصدرها المحاكم، فالدولة ستجد نفسها محرجة أمام المؤسسات الحقوقية الدولية مما قد يجعلها تراجع أوراقها بشكل ينصف القضية اﻷمازيغية في كل حقوقها ومطالبها.

ختاما، لقد قدم النقيب بن عمرو، الذي نحييه مرّة ثانية على استماتته ولو في إنبات ايديولوجية قومية تعاني عبر العالم، رغم اختلافنا الجذري معه في فهمه للكثير من المفاهيم ولما يشوب مواقفه من اﻻزدواجية إلى حد التناقض والمفارقة، لقد قدم درسا للحركة اﻷمازيغية وأهلها وجب استيعابه واستثماره إن كان هناك فعلا من يريد خيرا للغة اﻷمازيغية.

الإشتراك في تعليقات نظام RSS التعليقات (0 منشور)

المجموع: | عرض:

أضف تعليقك